ضوابط ونصائح عامة وتحذيرات مهمة في الرقية الشرعية

 ضوابط وتوجيهات ونصائح عامة وتحذيرات مهمة في الرقية الشرعية


ضوابط ونصائح عامة وتحذيرات مهمة في الرقية الشرعية



نصائح عامة وتحذيرات مهمة في الرقية الشرعية

((لا بأس بالرُّقى مالم يكن فيه شرك))
رواه مسلم.
فيه تأصيل نبوي للتزود بضوابط الرقية وتقوى الله بالتزامها قبل اقتحامها ..
الرقية الشرعية ينبغي أن تكون شرعية بالتزام الشرع فيها، فما خالط الشركيات والمخالفات فلا يستحق وصف الشرعية ..
ضوابط الشرع في الرقية منها ما يكون قبل الرقية، ومنها ما يكون أثناء الرقية، ومنها ما يكون بعدها، ومنها ما يتعلق بالراقي، ومنها ما يتعلق بالمريض ..
ضوابط الشرع في الرقية المتعلقة بالراقي منها ما يرجع إلى الراقي نفسه، ومنها ما يرجع إلى ذات الرقية وحيثياتها ..
ضوابط الشرع في ذات الرقية منها ما يرجع إلى تشخيص وتحديد الداء؛ إذ الطب كله تشخيص ثم علاج، والثاني يبنى على الأول، ومنها ما يرجع إلى حال الرقية وأدائها وكيفيتها ..
للعلم حتى لا نلبس على أحد :
فإنه كما أن هناك جناة كذبة على الرقية الشرعية ودخلاء عليها دون علم ولا تقوى، فسادهم فيها أكثر من صلاحهم؛ فإن هناك بالمقابل رقاة شرعيين من ذوي الخبرة، ومن أحرص الناس على موافقة الشرع في شؤونهم كلها ومنها رقيتهم، وإن كان هذا الضرب اليوم قليل لكنه موجود، ومتفاوت الوجود من بلدة إلى بلدة من بلاد المسلمين .

أول ما ينبغي علمه في مجال الرقية الشرعية هو أنها علاج للمرض لا تحصين من المرض، فالتحصين له طرقه الشرعية من توحيد وتقوى وأذكار وأعمال صالحات .

الرقية الشرعية إنما هي علاج للأمراض الروحية السحر والمس والعين، وقد تكون علاجاً أحياناً حتى من بعض العضويات كما ثبت في رقية اللديغ التي في الصحيح.
مما يجب أن يؤمن به الراقي والمريض أن الرقية الشرعية مع توفية كل ضوابطها وسننها الشرعية وتنقيتها من كل عللها؛ فإنها لا تعدو أن تكون علاجاً وسبباً للشفاء، وأما الشفاء فهو لله وحده، تنزه عنه الخليل فقال ﴿فهو يشفينِ﴾ ونبينا الكريم فقال في دعائه ((أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك)) .

من انتصب للرقية وزعم للناس بأنه يحصنهم بها من الأدواء؛ فهو جاهل أو كاذب لا علاقة له بالرقية الشرعية ..
الوعد بالشفاء ابتداء من طباع الدجالين، وليس ذلك من خصال الراقي الشرعي !
من أبجديات الرقية الشرعية التي لا ينتطح فيها عنزان أنها ترجع لأهل الاستقامة عقيدة وعبادة، وهكذا المسلمون منذ عهد النبوة يرجعون فيها للنبي صلى الله عليه وسلم ثم أهل الاستقامة بعده من جيل الصحابة فمن بعدهم ..
اجتماع الاستقامة مع العلم والبصيرة أفضل في الراقي من الاستقامة وحدها، واجتماع ذلك مع الخبرة وطول التجربة أفضل من قلة التجربة، وهذا أمر مهم جداً ..
ليست الاستقامة حفظ كتاب الله تعالى فحسب، ولا حسن التغني به، وإنما هي القيام على الشرع عقيدة وعبادة وسلوكاً، وقد يكونون أحفظ لكتاب الله وأحسن أداء وتغنياً، وهؤلاء هم أهل القرآن حقيقة ..
التجربة التي تعتبر في الراقي الشرعي، إذا كان ممن يحفظ التزام الشرع في الرقية، وأما من يخلط المشروع بغيره من المخالفات والشركيات في الاعتقاد والألفاظ؛ فليس ذلك معدوداً في الرقاة الشرعيين ..
من سبيل الرقاة الشرعيين خصلة عظيمة لا يخل بها إلا المجانين من الرقاة، وهي اختصاص الله تعالى بعلم الغيبيات؛ لا في التشخيص، ولا أثناء الرقية، ولا بعدها ..
من العلل التي تخرج الرقية عن كونها شرعية؛ جناية الراقي على المريض بأنك شربت السحر في اللبن أو في العصير أو أكلته في كذا من الأكل، أو هو في المكان الفلاني وما أشبه ذلك، دون بينة شرعية كشهادة الثقة، وإن كان ذلك اعتماداً على إخبار الشيطان !
كثير من المرضى الذين يطلبون الرقية الشرعية، إنما عظم بلاؤهم بسبب الجناة من دخلاء الرقية، فأثبتوا لهم السحر أو نوع السحر، أو مادة السحر، أو مكان السحر، أو عدداً من الجن الموكلين به، أو هو طيار أو غواص وما أشبه ذلك ..
يحسن بالراقي الشرعي، بل لابد له من جمع بعض المعلومات حول أمراض عضوية معلومة لها اشتباه في الأعراض بالمس والسحر؛ كالعقد النفسية، وأعراض القولون العصبي، وأعراض الدماء الطبيعية، والوحم المتباين بين النساء إلى نسب كبيرة وعجيبة، وكذا داء الوهم والوسوسة وما أدراك ما الوسوسة، وذلك ليسهل توجيهه ويخفف على الناس ..
أهم شق في الطب بكل أنواعه هو التشخيص، فتحديد نوع الداء أمر تجلى ركنه لعقلاء الدول فدعا إلى دفع الأثمان الباهضة لاختراع وتطوير واقتناء أجهزة الكشف والأشعة والتحاليل، لأن كثيراً من الأحايين قد يستغرق العلاج أزمنة طويلة ويفتك بأجسام كانت أقرب إلى السلامة، ويستنزف خزائن من الأموال دون جدوى، والسبب راجع لخطأ في تشخيص الداء الذي كان لا يتطلب علاجه أكثر من يوم أو يومين بل ربما ساعة وساعتين ..
ما يفعله بعض المجانين الدخلاء على الرقية من الأحكام الجزافية على المرضى، أنت مسحور سحر كذا، وأنت عندك مس من سنوات كذا بسبب كذا وكذا، وأنت معطل بسبب السحر، والآخر بسبب العين وما أشبه ذلك مع الجزم به غالباً، ويكون ذلك قبل الرقية وبعدها، ولا يصدر عنهم نتائج سلبية تبشر المريض وقد تكون سبباً في ذهاب ما به جملة واحدة، ولا يتورعون عن وصف كل من أتاهم ولو كان غير قاصد لرقيته بأن به سحراً أو كذا من المس، هذا كله ليس من الرقية الشرعية، بل هذا من البلاء الذي حل بالمسلمين اليوم، والله المستعان !
الرقية الشرعية موضوعها علاج المريض، وليس تحديد الساحر، فمن زعم إمكان معرفته الساحر بطريق الرقية؛ فهو كاذب ..
ما يثبته بعض القراء من مدينتنا ورقلة، الدخلاء على الرقية، من السحر بمجرد وجدانه لصورة المرأة أو الفتاة في المقبرة، وقد أخبرت بعض ضحاياه بأنه أخبرها بأنه وجد صورتها قبل في المقبرة، وأثبت لها السحر بذلك؛ فهذا فضلاً عن جهله بالشرع الذي ما خول له استغلال تنقية المقابر إلى ابتزاز أموال الغافلين والغافلات، فيوقظ في أنفسهم الهلع والخوف والأوهام والوساوس؛ فهو كاذب في دعواه دجال في فحواه، ولا كرامة لأحد على شريعة الله !
طلب صورة من المريض لفحص حالته أو لعلاجه من خلالها؛ ليس من الرقية الشرعية في شيء، وإذا كانت الصورة لفتاة أو لامرأة، وقد تكون جميلة الشكل أو الصوت، وربما تكرر أخذ الصور كما حصل لبعض الضحايا من بعض الرقاة؛ فهذا يتنافى مع التقوى، والواجب على المسلمة ألا تسلم صورتها لأجل الرقية ..
مما يتجلى في معاينة بعض الحالات المرضية حياء النساء من ذكر بعض الأعراض الخفية أمام محارمها والراقي، وقد تكون تلك الأعراض مما يعين الراقي في توجيه العلاج أو النصيحة اللازمة التي بها يندفع الداء أو الإشكال، والحياء خير إن شاء الله، لكن يحسن بالمرأة أن تكتب ذلك في ورقة وتسلم للراقي ولا تخفيه، وهذا داخل في أهمية التشخيص ..
لا يكتفي الراقي الشرعي بما يمليه المريض من الأعراض بل لابد من أسئلة منه تحوم حول كل الأعراض التي تشتبه بحالات المس والسحر، وما تعلق بصلاته وسجوده وتلاوته ونومه وأكله ووخزات قلبه، وقلقه وهلعه وألم رأسه وقفاه وثقله، وإمساك بطنه، والصفير في أذنه ..
وذلك ليتجلى له ولو نسبياً طريق الداء ..
لا يتردد الراقي الشرعي عن حسم النتيجة السلبية وعافية المريض قبل الرقية وبعدها إذا تبين له ذلك، وهذا شيء لا يخدم الرقاة غير الشرعيين؛ فإنهم يثبتون ولا يتورعون ولو كذباً ..
كثيراً ما تكون كلمة طيبة من الراقي الشرعي أو نصيحة إيمانية سبباً في شفاء المريض وحلول العافية به ..
لا يتردد الراقي الشرعي في رقية المسلم العاصي ولو كان مجاهراً بالكبائر، فكثيراً ما يفتح الله تعالى عليهم بالهداية بسبب عافيتهم، أو نصحهم، أو بيان الاهتمام بهم، فهي علاج ودعوة ..
الأعراض التي تذكر قبل الرقية لا تعطي حكماً قطعياً بوجود الداء غالباً، وتعطي حكماً نسبياً مقرباً، والرقية هي التي تؤكد، وهذا يعرفه الرقاة المجربون ..
الراقي الشرعي لا يوقف كسبه على الرقية، وإنما يمتهن مهنة أخرى يتكسب بها، ويسلك درب الرقية لنفع الناس، وجاز له أن يشترط جعلاً قبل الرقية على أن يأخذ شرطه بعد حصول الشفاء، هكذا جاء في وصف الرقية التي حصلت في زمن النبوة، وإذا أعطاه المريض أو أهله شيئاً تطيب به أنفسهم سواء تأخر الشفاء أو ظهرت عافيته من البلاء، وسواء اشترط أو لم يشترط، احتراماً لتعبه ووقته؛ فلا بأس بقبوله؛ على أنه ينبغي على الراقي دراسة أوضاع الناس؛ فإن من الناس من لا يملك حليب صبيه ومع ذلك يتكلف للراقي ..
ما يفعله بعض الرقاة من فتح دكان للرقية، كالطبيب صاحب الدراسة الأكاديمية ليس من الشرع في شيء، وغالباً ما يكون هذا للاستكثار من المال لا أكثر، ولذلك تجد عندهم الرقية الجماعية، وربما خليط بين رجال ونساء يتصارعون في حجرة واحدة، وهم بين صادق وكاذب وواهم من شدة ما يرى !!
الرقية الجماعية أحياناً وليس دائماً إذا استدعى الأمر فعلها من أجل التشخيص لا العلاج ليتبين المريض من غيره، ثم يخص المريض برقية خاصة هذا أمر معقول ..
الراقي الشرعي عند رقيته للمرأة يشترط محرمها، ولا يجوز أن يختلي بها بأجنبي آخر مثله ..
الراقي الشرعي قد يذكّر بحالات مرت به لكن على سبيل العموم لا على سبيل التعيين، فلا يجوز أن يذكر بفلانة حصل لها كذا، وفلان كذا وكذا، والذي يصور المرضى والصرعى بهاتفه ثم يريه كعينات للمرضى؛ فهذا جانٍ من الجناة على الرقية الشرعية وليس من أهلها في شيء، كما قد سمعناه من بعض الضحايا !!
ما يقوله بعض الجناة على الرقية الشرعية من أن عنده رقية تزويج البنات والثيبات، فهو كذب لا صلة له بالشرع، فالرقية للمرضى، والعنوسة ليست مرضاً إلا بالنظر إلى وجود أعراض للتعطيل فتعالج العانس للسحر أو المس الذي يلاحقها بسببه التعطيل وليس العنوسة ..
من صفات الراقي الشرعي أنه نصوح للمرضى، ولا يعلق شفاء المريض بشخصه هو ولا بملك أو نبي أو ولي أو صالح أو طالح، وإنما يعلقه بربه سبحانه وحده لا شريك له ..
مما يعنى به الرقاة الشرعيون الاستفصال من المريض لتشخيص الداء، ولا يستعجلون بالحكم حتى يتجلى لهم الأمر، أما هؤلاء الذين يحكمون بمجرد اللقاء ودون استفصال، فهو حال الجناة على الناس وأموالهم .
فالحذر الحذر ..
مما يتحلى به الراقي الشرعي أنه لا يعد الناس في أزمنة تكون على حساب واجباته الشرعية، ولا يراكم المواعيد بعضها على بعض على حساب الرقية الشرعية التي تفي بالعلاج التام، وإنما ينظر إلى كل الجوانب، ولا يعد إلا بما يقدر على الوفاء به؛ إذ خلف الوعد ليس من أوصاف المؤمنين ..
أكثر الحالات التي تطلب لها الرقية ليست سحراً ولا مساً من الجن، ولا عيناً، بل وساوس وأوهاماً وتجاوبات نفسية صادفت رقاة لا خبرة لهم فجزموا بالمرض، فركن المريض إلى ذلك، أو حالات القولون العصبي وما أكثرها وما أعظم أعراضها وما أكثرها، وهذا يدعو إلى ثلاثة أشياء، الأول: التشخيص ثم التشخيص .
الثاني: استعداد الراقي لرد بعض الحالات وعدم فتح شر الوهم عليهم .
الثالث: التريث في الأحكام، فالحكم للمريض بالعافية ولو كان خطأً أسلم له من الحكم بسحره أو مسه ..
الرقاة الشرعيون الذين همهم نفع الناس وعدم خيانتهم، في حال اشتباه الأعراض مع بعض الحالات العضوية ينصحون بالرجوع للطبيب العضوي أولاً؛ لاحتمال رجحان العضوي، وعلمهم بأن العضوي إذا تأخر علاجه قد يتفاقم ويتسع وتزداد دائرة شره، لكن السحر والمس ليس كذلك ..
من علامات الدجال أنه لا يحكم لطالب العلاج بعافية قبل علاجه، بل يثبت غرائب من الأمراض ولو دون عرض من الأعراض، ومن جهة أخرى أنه يعد بالشفاء بعد علاجه، ويحكم حكماً قطعياً بذلك كذباً وزوراً؛ ليستنزف الملايين من الجيوب أكلاً للسحت دون تقوى !!
أكثر من يطلب الرقية الشرعية النساء، وفتنة النساء كبيرة، وعليه فلا يحسن بالراقي أن يكون أعزب ..
الرقاة الشرعيون ليسوا ذوي إعلانات وإشهارات وإنما حاجة الناس لهم تستدعي استجابتهم لنفعهم ..
أمر مهم !
أحياناً بعض طالبي الرقية يذكر من حاله أنه تأتيه خواطر فاسدة كالتفكير في الانتحار وما أشبه ذلك، فهذا الحذر ثم الحذر من التباطؤ في تلبية طلبه، فمن أعظم النفع الذي يقدمه الراقي هو إحياء الأنفس ..
الرقية ليست توقيفيةً في كيفيتها؛ كلماتها وحركاتها وسكناتها كالصلاة والحج، لكنها توقيفية في ضوابطها لحديث ((لا بأس بالرقى مالم يكن فيه شرك)) ولذلك فالاجتهاد في حيثياتها لابد له من ثلاثة أمور:
الأول: ثبوت النفع .
الثاني: الموافقة للشرع بالخلو من الشرك والمخالفات.
والثالث: العلم والبصيرة أو مراجعة كلام أهل العلم في الباب أو سؤالهم، ومن رام التعسف في الاختراع حتى أتى بالمضحكات والمتناقضات؛ فعلى نفسها جنت براقش !
الرقية مدخل كبير من مداخل الشيطان، فلابد من الاحتراز بالتزود بالعلم والبصيرة والتقوى، والحذر من أن تحدث الراقيَ نفسُه بأن له أثراً في حصول الشفاء، بل يستعين بالله على نفسه في استحضار التجرد عن الحول والقوة ويرجع الفضل لله وحده، ومما يعينه على ذلك إن شاء الله الذكر الثابت ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) ..
مما يجب أن يتحلى به الرقاة الشرعيون الغض من البصر خاصة رقيتهم النساء، إلا عند الحاجة، مع اشتراطهم أن تستر المرأة نفسها ستراً شرعياً، مع ضرورة حضور المحرم، فهو الكفيل بتولي شدها وتغطية ما انكشف أو تزحزح من ستارها تسليماً بوقوع صرعها أو تخبطها ..
يحسن بالمرأة عند الرقية أن تتسرول زيادة على الجلباب أو الحجاب، ويحسن بها أيضاً أن تغطي الجزء السفلي من الوسط إلى القدمين بإزار زيادة على ذلك، وأن تكون جالسة مستندة إلى جدار على وسادة، فهو خير من اضجاعها، كل ذلك تفادياً للتكشف في حالة ما إذا صرعت ..
وبهذا يبرز فساد ما يقره الرقاة غير الشرعيين من دخول النساء عليهم متبرجات أو متعطرات ومتزينات أو مختليات دون محارم !!
الرقاة الشرعيون يهتمون بالمكان الذي تُجرى فيه الرقية، وخلوه من معصية ظاهرة يمكن تنحيتها؛ كتعليق صور ذوات الأرواح والتماثيل، وكذا سماع الموسيقى والغناء ..
يحسن بالراقي الملتزم بالشرع عند رقيته امرأة أن يجعل بينه وبينها وسادة كبيرة تفادياً لسقوطها عليه مباشرة في حالة ما إذا صرعت ..
الراقي الشرعي يتجنب لمس المرأة الأجنبية ووضع يده على ناصيتها ولو مع حائل، أو أي مكان آخر من جسمها؛ إذ لا ضرورة تستدعي ذلك، ولم يكن من هدي نبينا، ولا من فعل أسلافنا فعل ذلك، وقياس الرقية على الطب العضوي لا يصح؛ للفرق بين المرض العضوي الذي قد يحتاج إلى معاينة جسدية وبين المرض الروحي الذي أثر القرآن يبلغه من كل جانب، وقد تفطن بعض الحذاق من أهل الطب فاستعملوا ممرضات لمثل هذه الحالات، والحمد لله أن في كثير من الأحيان توجد المرأة الطبيبة والمرأة الجراحة والمرأة القابلة والمرأة الممرضة التي تغنينا عن الذهاب بهن إلى الرجال ..
لما استقر عند الرقاة الشرعيين أن الشفاء بيد الله، لم يكلفوا أنفسهم أكثر من الاجتهاد في الإتيان بالسبب كاملاً، ألا وهو موافقة الرقية للشرع، وأراحوا أنفسهم من تكلف تحصيل الشفاء في أول رقية؛ لمظنة الطعن في رقيتهم وعلاجهم، فهم في منأى عن ذلك، ولذلك لا يتردد أحدهم عن تأخير التلاوة وتأجيلها إلى مرة أخرى تجنباً للصرع والتخبط والصراخ المهول والعويل الذي تبدو لهم بوادره في مقدمة الرقية، مكتفين عن ذلك بمقدمة علاج هادئة، وإن كانت بطيئة، لكنها فعالة قوية نتائجها ظاهرة، كل ذلك امتصاصاً لقوة الحالة وإضعافاً للداء؛ ليتهيأ المريض لرقية مسموعة تكون هادئة أو أقل تخبطاً وأخف صرعاً وأسرع نتيجة غالباً، وأعني بذلك دهن الجسم كاملاً بزيت الزيتون مرة كل يوم أو مرتين أو ثلاثاً بحسب الحالة، ثم تعقبه الرقية المسموعة مباشرة ..
فليست الحالات المرضية بدرجة واحدة، وعليه فليس من الضروري أن تعطى مع ذلك التباين نفس العلاج في أولها ..
يحسن بالراقي قبل البدء تهيئة المريض وتذكيره بأن يعتمد على الله وأنه هو الشافي وأن الرقية سبب فحسب، وأن من تمام كونها سبباً كاملاً تحقيق الإيمان بالله بأنه هو الشافي وحده، وكذا تذكيره بعدم ضرورة وجود مس أو سحر، وتحذيره من التجاوب النفسي وأن ذلك يفتح عليه باباً أشر من المس والسحر، وهو المرض الوهمي وعيش كابوس السحر والمس وهاجسه دون مس وسحر، وأن ذلك لو حصل لا يخرجه منه ألف راقي، وذلك تفادياً لانسداد النتائج وسير الراقي والمريض كل منهما في وهم لا نهاية له ..
مما ينبغي أن يحرص عليه الرقاة الشرعيون أمر المريض بألا يغمض عينيه أثناء الرقية، بل يبقيهما مفتوحتين، وذلك تفادياً للخيالات الناتجة عن الظلام، وإدخال الرقية في دوامة من الوهم لا نهاية لها، وكل إنسان عند إغماض عينيه لو تأمل لرأى حركات وأشكالاً، والعجب من بعض الرقاة ضعاف الخبرة يأمر المريض بإغماض العينين ويسأله بعد التلاوة ماذا رأيت ؟!!
فهذا فتح باب شر كبير على المريض، وكانت رقيته أحياناً كالسم المنتشر، فيتخيل المريض بظنه الفاسد شخصاً من قرابته كان يظن محققاً أنه هو الساحر أو العائن وما أشبه ذلك، فيحصل بسبب ذلك تأكيد الفرقة والعداوة والقطيعة التي قد تتسع وقد تدوم إلى الموت !!
أنصح المسلم في حال مرضه واشتباه أمره أن يبدأ بالطبيب الطب العام، صاحب المهنة، ذي الخبرة، النصوح، ولا يلجأ للرقية تاركاً للطبيب إلا عند تعذر العافية ..
لا تختص الرقية الشرعية بزمان دون زمان، بل جائزة في كل وقت، وإمكان تحصيل النفع يتسع له كل وقت ما عدا أوقات الواجبات الشرعية المؤقتة، وعليه فلا دليل شرعاً يمنع منها أو يعطل نفعها للمريض في شهر رمضان، والأحاديث التي تنص على أن الشياطين تصفد إنما تعني الإغواء، فتسلسل الشياطين عن إغواء الصائمين بالمعاصي والشهوات، ولذلك فكثير من المرضى بالمس الجني وإن كانت تخف حالاتهم في شهر رمضان بحفظهم لصيامهم وقيامهم وتلاوتهم القرآن وذكرهم، لكنهم تبقى عندهم من الآثار ما يثبت وجود الحالة، بل رقيتهم في رمضان لعلها تكون من أنفع ما يكون، فقد حصل الشفاء بإذن الله لحالات ظهرت فيها أعراض آلام الرأس والقلق الشديد في الأيام الأولى منه، فزال بلاؤهم وحل عليهم الشفاء من الله تعالى برقيتهم في رمضان، فاجتماع الرقية إلى شدة رمضان على الشياطين أدعى للطرد والدفع البديع ..
والله أعلم.
ليس هناك دليل خاص من الشرع يمنع المرأة من رقية المرضى، وقد وجد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تعالج من مرض يسمى (النملة) وهي الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها، والنملة قروح تخرج بالحنب، ليس هو بصرع ولا داعٍ من دواعي الصرع، فهو شيء حسي كانت ترقيه بكلمات عرضتها على النبي صلى الله عليه وسلم فأقرها، وقصتها في سنن أبي داود وقد ذكرها الألباني في السلسلة الصحيحة، فيلحق بتلك الرقية ما كان من علاج الشقيقة والعين وما أشبه ذلك بشرط الخلو من الشرك والمعصية، وأما علاج ما تعلق بالصرع الجني والسحر؛ فلا ننصح المرأة بذلك للنقص الجبلي في الدين والعقل الذي قد يجعلها صيداً سهلاً للشيطان في إحدى ساعات ضعفها، ولأن ذب الشياطين عن الناس من جنس الجهاد في سبيل الله، وهو على الرجال لا على النساء، زد على ذلك النظر إلى ما يجب على المرأة من تحمل عبء البيت والتربية وخدمة الزوج وما إليه مما قد لا يفي لها يومها كله بقضائه، فكيف بالرقية وتوافد النساء بالعدد ولا مدد ؟!
في كثير من الحالات التي تُطلب لها الرقية الشرعية، لا يُحتاج فيها لأكثر من نصيحة بتقوى الله تعالى، والتوبة من فعل بعض الكبائر أو ترك بعض الفرائض؛ كالصلاة؛ إذ البعد عن الله بسبب ذلك يجعل العبد فريسة سائغة للشيطان، فيعتدي عليه ويلعب به لعباً في نومه، وفي مضاجعته أهله، وفي غضبه، وفي حزنه، وفي تعامله، ومع أهله وولده، فلا يحيله عن ذلك إلا سد الخلل الذي بينه وبين الله تعالى ..
وبهذا يتجلى فضل توفر العلم والبصيرة عند الراقي الشرعي؛ لأنه بذلك يتجلى له الخلل وما ينبغي لإصلاحه ..
يحسن بالراقي الشرعي أن يتحمل وصف المصلح تطبيقاً عملياً، فالمريض إذا تبين مرضه؛ فغالباً ما يكون ذلك بسبب معقول؛ كتلبس بشرك لفظي أو عملي أو قلبي، أو فعل كبيرة أو ترك فريضة، أو إصرار على صغائر دون استغفار ولا حسنات ماحية، أو تفريط في الأذكار، فيحاول بحكمة معرفة عين الخلل المتسبب، فيبني عليه نصيحة توجيهية مبيناً وجه العلاقة بين الخلل وبين المرض؛ فإن الناس يكونون أصغى في حال الحاجة والضعف من غيرها ..
الأصل في الرقية الشرعية تلاوة القرآن على المريض، فهو أحسن علاج وأنفعه وأتمه وأكمله، فإذا كان ممن يعظمه ويتقن تلاوته ويرتله ترتيلاً لا تكلف فيه، يرجو به نفع المريض متقرباً بذلك إلى الله سبحانه، وكان ذلك على مريض يؤمن به ويعظمه؛ فيرجى فيه النفع العظيم والبركة بتحصيل الشفاء الذي لا يغادر سقماً ..
ما رأيت أنفع للمريض بالمس أو السحر من تلاوة القرآن عليه، تلاوة متأنية لا تكلف فيها ولا عجلة، ولا التفات معها لصراخ الجان ولا لكلامه ومحاورته، يبدأ فيها الراقي بالاستعاذة ثم فاتحة الكتاب ومنها البسملة؛ فقد سماها الرسول صلى الله عليه وسلم الرقية، ثم يفتتح البقرة ويمضي في تلاوتها بصوت معتدل يكون أدعى للدوام بترتيب الأنفاس مع الوقف أحياناً ليأخذ نفساً، ثم يواصل ولا يفتنه عن ذلك تصاعد التأثر من الشيطان أحياناً أو انطفاؤه، ولا ينتظر نتائجها المباركة إلا في آخرها؛ فإنها والله وتالله وبالله لقوة هي وأي قوة كأنها تخرق المرض خرقاً وتتلفه إتلافاً حتى تنهيه بإذن الله ولا تبقيه .
وقد نصحت بعض المصابين بقرائتها كل يوم مرة دون رقيتهم، فحصل لهم بها الشفاء والعافية بإذن الله العلي القدير ؟!
العدول عن القرآن أو الاكتفاء بالقليل جداً منه ثم العدول عنه إلى غيره، وجعلُ ذلك أصلاً متبعاً في كل رقية؛ ليس من سبيل الرقاة الشرعيين ..
مما جاء في القرآن من العمل في علاج المرضى ما دل عليه بطريق الأسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الإتيان بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأدعية والأذكار؛ كقوله ((أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً)) وقوله سبع مرات ((أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك)) وقوله عن جبريل أنه رقاه بقوله ((بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس وعين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك)) ..
ولا بأس بأن يزيد على ذلك أحياناً اختيار آيات أو أحاديث للموعظة دون المحاورة؛ فذلك راجع للأصل السابق ((لا بأس بالرقى مالم يكن فيه شرك)) على ألا يعتقد الراقي أن ذلك لا يكون إلا بعد استنفاد الطاقة بقراءة القرآن؛ فإن القرآن هو الأصل والنفع به أكمل، وكل ذلك سبب فحسب، أما الشفاء؛ فمن الله تعالى وحده ..
لا بأس بأن يأمر الراقي الشيطان بالخروج من المريض إذا تبينت إصابته، وكذلك وصفه بعدو الله؛ كقول ((اخرج عدو الله)) فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما تقصد المحاورة والأخذ والرد مع الشيطان؛ فليس ذلك بنافع للمريض، بل هو متنفس للشيطان ونفع له، فماذا يؤذيه كلام الراقي ولو بقي اليوم كله، فإنما يؤذي الشيطان كلام الله وذكر الله والأذكار والأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
ليس من صنيع الراقي الشرعي البحث عن محاورة الشيطان والتظاهر بالمهارة في ذلك، فإن ذلك ليس بكرامة ولا فضيلة، وقد يفعله أجهل الناس وأطردهم في الشر، وإنما بغية الراقي الشرعي نفع المريض والتسبب إلى طرد العدو عنه بأحسن الكلام وأنفعه، ألا وهو القرآن وما رجع إليه من أدعية وأذكار ومواعظ ..
إذ ليس من وصف الرقية الشرعية محاورة الجان ..
ما يفعله بعض الدخلاء على الرقية من سؤال الشيطان عن موضع السحر ومن الذي فعله، وتصديقه في ذلك، وربما طلب الإعانة منه على استخراجه؛ فليس ذلك من صنيع الرقاة الرقية الشرعية، وإنما يفعل ذلك من لا يبالي بأكل السحت، فالشيطان عدو متعدي، من أين لهم أنه يصدق معهم لولا غاية الجهل والتكلف ؟!!
تعظم الفتنة على من لم يحزم أمره عند رقية النساء، فيقع بسبب ذلك من الفضائح العجيبة، كما حصل من راقي ظل يقترب من المريضة وهو يقرأ عليها حتى كاد يسقط في حجرها !
ولست أظن ذلك يقع إلا بسبب غياب المحرم الكبير، فكان على الأقل يوقفه الحياء في ظل حضوره .
وعليه فإحكام وضعية الرقية في أولها من أوجب الواجبات فيها ..
الراقي الرقية الشرعية الذي أحكم أمره، لا يتغير نمط تلاوته من حسن إلى أحسن، أو من طبيعة إلى تكلف، أو من غلظ صوت إلى رقته بين رقيته رجلاً وبين رقيته امرأةً ..
الراقي الرقية الشرعية الذي أحكم أمره لا يقابل المرأة مباشرة ليقرأ عليها، وإنما يجلس مستقبلاً أحد جانبيها غير مقترب، بينه وبينها وسادة، وعلى هيئتها من الستر التي ذكرناها قبل، فذلك أقرب لتحصيل السماع المطلوب، وأبعد عن الفتنة، وأبعد عن إحراج المرأة ومحارمها، ولو جلس محرمها مقابلاً لها كان ذلك أبعد عن كل الشرور ..
إذا احتيج إلى سقي المرأة ماء في الرقية؛ فليتول تسليم الكوب لها أو سقيها مباشرة في حال عجزها المحرم وليس الراقي؛ فإن ذلك من دواعي الفتنة ..
لا يكتفي الراقي الشرعي بمجرد إخبار المريض أو المريضة بأنه يحس بكذا من الألم أو التنمل أو البرودة أو الدوران أو الغثيان للقطع بالسحر أو المس، بل لابد من التحري جيداً؛ فإن ذلك كله قد يحصل أحياناً بسبب الخوف من الصرع والخوف مما قد يحصل، فالمريض خاصة إذا كان في أول رقية، أو كان الراقي مشهوراً وكانت تلك هي أول رقيته له، تكون عنده توقعات كبيرة ستحدث له؛ من صرع وتخبط وربما خوف من الضرب الناجم عن ذلك، فليحق به ذلك أعراضاً بسبب اضطراب في المعدة والقولون، فيظهر عليه تزايد في نوبات التنفس، وكذا نبضات القلب، ودوران، وربما ارتعاش خفيف، وحرارة، وصداع خفيف ..
فالمطلوب هنا مواصلة التلاوة بروية وهدوء وصوت معتدل دون توقف؛ فإنه بذلك يتجلى له الأمر ويزول عنه اللبس ..
إذا تبين الصرع بأنه من الجن؛ فإن
في القرآن الكريم غنية وكفاية عن استعمال الضرب، فضلاً عما سمعته مرة بأن راقياً وضع سلك الكهرباء على يد المريض يريد أذية الشيطان بشحنات كهربائية متقطعة، فإن هذا وذاك كله ليس من الرقية الشرعية في شيء، زيادة على ما في ذلك من الأذى الزائد، والضرر الذي قد يتعرض له المريض بغير وجه من الشرع !!
إذا تأخر حصول الشفاء فلا يعد ذلك مثلبة في رقية الراقي إذا كانت رقيته موافقة للشرع وأداها بإحكام، فهو مستقر عنده وقرر في مقدمة رقيته بأنه راقي وليس بشافي، فليجدد الأمل للمريض وينصح له بالصلة بالله سبحانه، والتركيز على الدعاء خاصة في أوقات الإجابة، وإذا كان يستطيع تلاوة القرآن فليوصه بالبقرة ومجاهدة نفسه بقرائتها كل يوم، وكذا سماعه لمقرئ جيد عن طريق سماعات الأذنين على الأقل ساعة في كل يوم، وكذا الدهن بالزيت الجسم كاملاً على أن يعيد له الرقية لاحقاً، فإن وفق إلى الحفاظ على ذلك قد يشفى تماماً من حاله ولا يحتاج إلى رقية راقي، وإذا تكررت الرقية وتكررت الأعراض نفسها مع حفاظ المريض على ذلك البرنامج المسعف؛ فهنا ينبغي التحقق جيداً من الأعراض هل هي من المس أم لا ؟!
فيبعد جداً مع تلك الوتيرة من العلاج المستمر والرقية المتكررة أن تبقى للشيطان بقية أو قوة كأول يوم، وليس بعيب رجوع الراقي عن حكمه بالمس إذا تبين له خطؤه؛ إذ التمادي في الخطأ بعد العلم به لا يجوز ..
إذا تبين شفاء المريض بالرقية وزال عنه داؤه وألمه، فالراقي يحمد الله تعالى على أن شفاه، ويرجع الفضل لله ويتجرد علناً عن الحول والقوة، ويذكر المريض بنعمة الله عليه وينصح له بالتقوى ودوام الصلة بالله، وتلاوة القرآن وقراءة الأذكار الصباحية والمسائية وأذكار النوم ..
ليس هناك رقية تسمى رقية البعيد، سواء كان بطريق الصورة أو على الثوب، أو بالنيابة، إلا ما كان بالقراءة على الزيت وتوصيله لمريض بعيد لينتفع بالدهن به؛ فذاك شيء معقول ..
فكما قد يفتتن بعض الرقاة، فقد تفتتن بعض البنات أو الثيبات والأرامل بالراقي، وذلك بوجه من وجوه الفتنة؛ كصوت تلاوته وحسن أدائه، فتأخذ هاتفه أو يأخذ هاتفها، وقد تكون بنية حسنة، لكن يحصل بسبب ذلك مكالمات تدور في أولها في حيثيات العلاج وتوابعه، لكن الشيطان وضعف النفوس يحول الأمر إلى افتتان الاثنين أو أحدهما، فيسهل عليه بعامل الديمومة ونزول جدر الحشمة إلى الأسفل تسورها بكلمات فاتنة تقتل دينه ومروءته !!
وإن كان هذا الأمر يبعد وقوعه والحمد لله عن كل من نعرفه من إخواننا الطيبين من الرقاة ممن عهدنا بهم من زمان طويل، ولكن مع الأسف الشديد قد حصل من بعض المشهورين في القراءة وإن كانت صلتنا به بعيدة، وعليه فالواجب على المسلم التزام الشرع في الرقية من أول لحظة، ومن أحكم البداية لم يخب من كمال النهاية ..
سألني سائل في الرقية قائلاً:
السلام عليكم ،هل الراقي الشرعي يدل على مكان السحر وما علاقة الاموات بالسحر اليوم فى المقبرة ؟
فأجبته قائلاً:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
الراقي الشرعي لا يمكنه معرفة مكان السحر، هذا الرسول ولم يعلم بمكان السحر الذي وضعه له اليهود حتى أخبره جبريل، فالذي يدعي معرفة مكان السحر هم الدجالون وليسوا الرقاة الشرعيين .
وأما علاقة القبور بالسحر فهذه معضلة ودوامة أدخل الناسَ فيها بعض الجهلة من الرقاة وعظموا لهم شأنها حتى باتت خرافة يخيفون بها الناس ويمرضون بسببها وهماً وخيالاً ..
ومن المعلوم أنه ليس من شرط علاج السحر معرفة مكان السحر، فالذين ظنوا هذا الظن هم الذين تكلفوا هذه المعضلات ..
سألني سائل في موضوع الرقية: سلام عليكم الاخ رشيد، اردت ان استشيرك في امر، بقيت ندير رقية وقالو لي روح لـ(فلان - أقول وهو شاب جاهل هجم على فتنة الناس برقيته وجهله من سنتين-) مارأيك فيه ؟
فأجبته قائلاً:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
أخي عبد المالك .
(فلان) لا علاقة له بالرقية الشرعية، لقد هجم عليها بغير علم ولا فقه ولا التزام بمبادئها وقواعدها الشرعية، فصار يخلط في أحكامه على الناس بناء على لعب الشيطان به، وأحياناً يعتمد أوهام المرضى ووساوسهم فيقرها فيهم على أنها مس شيطاني أو سحر، وزاد على ذلك بدجل إلقائه الأخبار الجزافية، فيقول دون بينة ولا علم بالبراهين بأنك يا فلان شربت السحر في اللبن والآخر في العصير ...
وقد زارني بعض ممن أثبت بأنهم مسحورون فرقيتهم فما وجدت عندهم شيئاً ..
وما من أحد زاره إلا أثبت بأنه مصاب وأوهمه بالعلاج عنده مع اشتراط أموال غريبة، تدل على أنه سلك مسلك الاستكثار والتجارة لا أكثر ..
والخلاصة أقول : من أراد أن يمرض فليذهب لـ(فلان) ..
ثم سأل مستشكلاً:
وما السر وراء رقيته لبعض الناس فيبدئون بالصراخ والبكاء ؟
فأجبته قائلاً:
لو تقرأ أنت على أي مريض بعض الآيات فيبدأ بالصراخ والبكاء، فهذا ليس بفضيلة ولا كرامة ..
فكم من إنسان يطلب الرقية لمريض عنده في البيت، يقول قرأ القرآن أو قرأت عليه القرآن فصرع أو أغمي عليه أو قام ولم يستطع سماع القرآن أو صار يصرخ ويصيح أو صار ينبح، فيطلبون له الرقية ؟!
وهؤلاء ليسوا برقاة ويحصل لهم هذا الأمر في بيوتهم ..
فليس ذلك بعلامة ولا أمارة على أن ذلك القارئ يحسن الرقية .
وغالباً ما يصيح الإنسان ويصرخ بسبب الوهم الذي بذره في عقله بعض الرقاة الجهلة أو الدجالين كهذا (…) فيحكم على الإنسان بأنه مصاب بكذا وكذا قبل التشخيص وقبل التبين والفحص الدقيق، والناس لا يميزون الراقي الشرعي من غيره، فيظن كثير منهم أن مجرد اسم راقي يعني رقية شرعية، فإذا قال له إنك أكلت السحر أو شربته أو إنه تفريق أو تعطيل، فيصاب الإنسان بالهلع ويصير يتصور أنه كذا فيقع منه التجاوب النفسي مع الراقي من أول وهلة وذلك بالارتعاش أو الصرع أو التخبط وغير ذلك، ثم يصير ذلك الراقي المزعوم يصرخ هو الآخر ويناديه بالأسئلة على أنه شيطان، ما اسمك مثلا ؟ ولماذا دخلت فيه ؟ ومن متى دخلت ؟ إلى غير ذلك من أنواع الأسئلة التي لا تمت إلى الرقية الشرعية بصلة، وقد يضربه ويأمره بالخروج حتى يضطر المريض إلى الإفصاح عن نفسه، ويؤكد له هذا الراقي المزعوم بأنه خرج منك الشيطان، أو لا بد من علاج آخر أو رقية أخرى كل ذلك استكثاراً في حلب جيبه من النقود بذلك الإيهام ..
فخذها قاعدة هذا (فلان) لا أستبعد أن يكون هو نفسه مصاب بمس شيطاني لعب برأسه فصار الشيطان هو الراقي بطريق هذا الراقي المزعوم . انتهى الجواب
وأزيد هنا ..
قد سمى الله تعالى الجني الذي يمس الإنسان ويصرعه شيطاناً، فقال تعالى ﴿الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس﴾ وقد نقل أبو الحسن الأشعري في مقالات أهل السنة اتفاقهم على أن المراد بالمس في هذه الآية دخول الجني في بدن الإنسان، ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى، ونقل القول نفسه عن الإمام أحمد في جوابه على سؤال ابنه .
وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً شيطاناً في حادثة رقيته لصهره وحادثة رقيته للصبي الذي كان به لمم لسبع سنين، وكلاهما ذكرهما الألباني في السلسلة الصحيحة .
والذي لا يخفى على العقلاء أن الشيطان لا يقتصر أذاه للإنسان على المس والدخول في بدنه وصرعه، بل ما في أذاه من غواية الناس وتلبيس دينهم عليهم، وإفساد عقائدهم وتصوراتهم الصحيحة التي فطروا عليها؛ ليصدهم عن ربهم وعن دينهم الصحيح أعظم وأعظم ..
ولا يخفى أن هجوم الناس على كل من هب ودب ممن سُمي راقياً يفتح على الناس من الشر الذي هو من هذا القبيل الشيء الكثير ..
ومن صور ذلك الواضحة تصنع الشيطان للتأثر والصرع والتخبط وربما البكاء وربما إيهام الخروج برقية الدجال والساحر ما لا يقع حقيقة في الرقية الشرعية، ويحصل بسبب ذلك من الفتنة في القلوب والأنفس الضعيفة ما لا يعلم عظم ضرره إلا الله سبحانه !!
وهذه المنكرات الخطيرة وإن لم تعصم منها رقية الرقاة الشرعيين فإنها تقل وتندر ..
وعليه فلا عبرة بما يحصل من آثار للرقية ولا هي بالميزان الذي تضبط به شرعية الرقية، وإنما المرجع موافقة الشرع والمعتقد الصحيح في الرقية من عدمه ..
وسألني سائل:
بارك الله فيك شيخ رشيد وجزاك الله خيراً، نفهم من هذا أن إستخراج السحر وإتلافه ليس شرطاً في الشفاء، أما إذا أمكن الله منه فلا حرج في إتلافه لذاته .
وهنا يتبادر سؤال: هل إذا أتلف السحر دون بذل الشخص أسباب العلاج، أو دون علم المسحور، هل يزول السحر أم لا ؟
ومنك نستفيد أخي المكرم .
الجواب:
من ناحية النقل لم يلجأ إليه جبريل في رقيته النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بالمكان وتوفر الإمكان، بل لجأ إلى رقيته دون ذلك ..
وهذه الرقية التي حصلت من الملك إلى سيد الخلق هي أحسن مثل للرقية الشرعية التي دل عليها النقل ..
وأما من حيث التجربة فأقول إذا علمنا أن السحر كجرم لا يقوم بدور السحر، وإنما الشيطان الذي أنيط إليه السحر ووكل به هو الذي يقوم به؛ تبين أن هناك جهتين في السحر؛ الشيطان ودليله، فقد يتلف الدليل ويبقى المدلول وهو الشيطان لإلفه للمكان وطبعه الفاسد ..
وقد رأينا وسمعنا أن فتيات يُسحرن منذ الصبى سحر الربط لتحصين البكارة كما هو الشائع عند الجهال، وأن ذلك السحر يتلف عند الزواج ويفتح مغلقه، لكننا مع ذلك يدعوننا لعلاجهن فنجد الشيطان الموكل موجوداً ! .
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. ضوابط ونصائح عامة وتحذيرات مهمة في الرقية الشرعية
تعليقات